شعـيب عليه السلام نبي من أنبياء الله أرْسِلَ إلى أهل مدين وجاهد معهم كثيرًا ودعاهم إلى التوحيد ونبذ الغش والخداع وحثهم على القسط والعدل والسلوك المستقيم.
قومه. مَدْيَن، هم قوم شعيب عليه السلام. وترجع سبب تسميتهم بذلك إلى قولين: أحدهما أنهم بنو مدين، فقيل: مَدْين، والمراد: بنو مدين، كما يُقال: مُضَر، والمراد بنو مُضر. والثاني: أنه اسم مدينتهم فنُسبوا إليها.
واختلف العلماء: هل أصحاب الأيكة هم أهل مدين، أم أنهم قوم آخرون، هل أرسل نبي الله شعيب إلى القومين معًا؟ رجح الحافظ ابن كثير أنهم أمة واحدة، وُصفوا في كل مقام بوصف.
كان أهل مدين عربًا يسكنون مدينتهم في أرض معان من أطراف بلاد الشام، قريبًا من بحيرة قوم لوط. وقد كانت أرض مدين تمتد من خليج العقبة إلى مؤاب وطور سيناء وتقع على أهم طريق من طرق النقل التجاري، ومن ثمّ فقد كانت آفتها هي آفة احتكار التجارة، والعبث بالكيل والميزان وبخس الأسعار والتربص في الطرق، وكانت رسالة شعيب عليه السلام دعوة إلى ترك الخداع والاحتكار، في بيئة فشا فيها هذا الفساد بحكم موقعها على طرق التجارة.
وردت قصة شعيب ـ عليه السلام ـ مع قومه في مواطن عدة في القرآن الكريم، بعضها فيه إشارة عابرة، وبعضها فيه تفصيل. والسور التي فصلت القصة هي: (الأعراف: 85 -93)، و(هود: 84 - 95)، و(الشعراء: 176- 191)، أما الإشارات العابرة ففي السور التالية: (التوبة: 70)، و(الحجر: 78-79)، و(الحج: 44)، و(القصص: 22، 23، 45)، و(العنكبوت: 36-37)، و(ق: 14).
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: ﴿وإلى مدين أخاهم شُعيبًا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولاتبخسوا الناس أشياءهم ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ¦ ولاتقعدوا بكل صراط توعدون وتصّدون عن سبيل الله مَنْ آمن به وتبغونها عوجًا واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين﴾ الأعراف: 85، 86.
وكان شعيب ـ عليه السلام ـ يُلقّب بخطيب الأنبياء، لحُسن مراجعته قومه، وبراعته في إقامة الحجة عليهم، ودحض حججهم. ومع ذلك ﴿قالوا ياشُعيب مانَفْقَهُ كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفًا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز﴾ هود: 91.
ولم يكتف شعيب بأن دعا إلى التوحيد، بل حث قومه بصفة خاصة على القسط في الميزان والكيل، وحذرهم من العبث بالنظام الذي عاد إلى نصابه في البلاد، ومن صرف المؤمنين الذين يتبعونه، عن سبيل الله، ولكن وجوه القوم أنكروا مقالته وهددوه بالطرد هو وأتباعه. وقد كان شعيب ضعيفًا في قومه ولولا رهطه أي أهله وعشيرته لرجموه. فأدركهم زلزال، عقابًا لهم فقضى عليهم في بيوتهم. يقول تعالى ﴿فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين﴾ الأعراف: 91.